نحن - معشر القراء - مدينون بشكرٍ جزيل علينا أن نقدمه للأستاذ صلاح صلاح الذي ترجم بشكل رائع إلى العربية كتاب ارنستو تشي غيفارا »يوميات دراجة نارية«، وبشكر جزيل مماثل لدار السويدي للنشر والتوزيع في أبوظبي التي أصدرت هذا الكتاب ضمن سلسلة رحلات عالمية. الكتاب كما هو معروف صنع منه فيلم أثار اهتماماً واسعاً منذ زمن قليل، لكن الفيلم ليس أكثر متعة من الكتاب نفسه الذي وضعه الشاب تشي غيفارا الذي كان حينها طالباً في السنة النهائية في كلية الطب في بلاده الارجنتين، قبل أن يغدو ثائراً عظيماً سيعرفه العالم كله بوصفه من ألمع الثوار في القرن العشرين. لكننا في هذا الكتاب لن نخطئ الإحساس بتلك الروح المتمردة، الثائرة، المشاغبة في هذا الشاب اللامع الذي ذهب في مغامرة رحلة طويلة يطوف بها القارة الأمريكية اللاتينية مع صديقه البرتو جرانادو الذي كان هو الآخر طالباً في الجامعة يدرس الكيمياء الحيوية، حيث أعدا دراجة نارية يبدو من الشرح الظريف في الكتاب أنها كانت متهالكة وقديمة، لكنهما عقدا العزم على القيام بتلك المغامرة مأخوذين بتلك الروح التي لم تغادر غيفارا أبداً حتى لحظة استشهاده المهيب في إحدى غابات بوليفيا وهو يقود حرب العصابات ضد النظام العسكري يومذاك المدعوم من اليانكي الأمريكي، وليس صدفة أن المخابرات المركزية الأمريكية بالذات هي من تولى تصفيته جسدياً. ابنة غيفارا اليدا جيفارا مارش كتبت تقديماً موجزاً، قالت فيه إنها قرأت هذه اليوميات أول مرة قبل أن توضع في شكل كتاب بعد ولم تكن تعرف أن والدها بالذات هو من كتب هذه المذكرات، وتشرح كيف أنها تماهت مباشرة مع ذلك الرجل الذي سرد مغامراته بطريقة تلقائية. حين عرف فيما بعد أن أباها هو صاحب المذكرات انتابها شعور بالسرور، وكانت هناك لحظات عندما حلت محل رفيقه في الرحلة البرتو جرانادو، وشعرت أنها تتشبث بظهر أبيها فوق الدراجة النارية مسافرة معه فوق الجبال وحول البحيرات وهو يقطع أرجاء القارة العظيمة التي كانت بركاناً للثورات والكفاح، وكلما توغلت أكثر في الكتاب كلما أحبت الفتى الذي كان عليه والدها. ذات سفرة، أمسكت بالكتاب في الدقائق الأولى للرحلة التي تستغرق نحو ثلاث ساعات بالطائرة، حين هبطت الطائرة كنت قد قرأت أكثر من ثلث الكتاب الذي يقع في نحو مائتي صفحة. لقد حبست سطوره وأحداثه المثيرة أنفاسي. فيما تلا ذلك من أيام جاهدت للحصول على ساعات فراغ أكمل فيها ما تبقى من الكتاب الذي يأخذنا نحو عالم هذا الفتى الذي أدرك مبكراً، وبانسجام مميت مع الحقائق، كما يعبر هو نفسه، أن مصيره هو الترحال. وهو يقرن ذلك بأمنية أنه، في يومٍ ما وقد أضناه الدوران في العــالم، يعــود إلى وطنه الارجنتين ويستقر بالقرب من بحيراتها، إن ليس بشكل نهائي فعلى الأقل لوقفة قصيرة في غمرة تنقله من فهم للعالم إلى الآخر. لكن قدر غيفارا وسر ملحمته البطولية أيضاً تكمنان تحديداً في أنه لم يرغب في فهم العالم فحسب، وإنما رغب أساساً في تغيــيره.